المعالم الكبرى لتربية الأبناء

المعالم الكبرى لتربية الأبناء للداعية المغربي الشيخ / عمر تدراني

إنّ تربية الأبناء من أهم المعضلات التي تعيشها المجتمعات اليوم، بل لا نبالغ إذا قلنا أنها معضلة كل عصر وكل مجتمع. لأنّ التربية السوية ضمان استمرار المجتمع، والتربية المنحرفة سبب زوال الأمم ومؤشر اندحارها.

ولا شك أن أية أمة تهتم بأبنائها، تضمن بذلك المحافظة على منهجها سواء كان سليما أو منحرفا أو قويا أو ضعيفا أو متقدما أو متخلفا.

وكل منظومة أو فكر أو مذهب أو نِحلة أو دين يبصر المسألة بعين ثاقبة، لا شك أنه سيزيد من عمره مدة بحفاظه على قواعده الكبرى وأسسه في التربية التي سار عليها الأوائل.

وإنّ المتأمل في القرآن الكريم وخاصة في سورة لقمان، يجدها ترسم المعالم الكبرى للتربية في الإسلام، والتي بها يبني الفرد المسلم الضامن لاستمرار النوع البشري، كما أراده الله عز وجل. وكل أب وأم يريد إنشاء بيت مسلم يُبنى على تقوى من الله واستقامة لابد له أن يستوعب هذه المعالم، كما علّمها لقمان الحكيم لابنه وأرشده إليها وهي:

1- الَمَعلّم الأول: التوحيد "يا بني لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم":

" يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله".

والتوحيد أساس الأمر كله وضمان خير الدارين وبه يستقيم أمر المسلم ويتجاوز العنت والحيرة، التي تعيشها المجتمعات غير المسلمة من بين أيدينا ومن خلفنا. وهذه المسألة في الإسلام لا يمكن التنازل عليها بحال من الأحوال وعليها تُبنى كل الأفعال والأقوال.

فلما يربط الطفل بالله تعالى ويعرف قدره ويستحضره في كل صغيرة وكبيرة، لابد أن نضمن سلامة القول والعمل عنده، والمعضلة تكمن في عدم قدرة غالبية الآباء غرس المعنى الصحيح في قلوب الأبناء، إذ ليس الغرض معرفة الصفات والأسماء وغيرها، بل تذوق معانيها في الحياة يوما عن يوم، أين هي الأسماء والصفات والتوحيد والألوهية أثناء الأكل والشرب والنوم واللعب والمزاح والضحك والبكاء وهكذا، هذا للأسف ما لا يعرفه غالبية الآباء، وكما يقال:" فاقد الشيء لا يعطيه".

2- الَمَعلّم الثاني: العبادة "يا بني أقم الصلاة" :

وهي من الشعائر العظيمة التي ينبغي توجيه الطفل إليها قبل أية شعيرة أخرى، لما لها من مقاصد تربوية في التوجيه نحو الخير كله، وهي كما نجد في آيات كثيرة صفة من صفات المؤمنين والتهاون فيها صفة من صفات المنافقين. وأعظم ما يُربى الطفل عليه، الصلاة كما نبّه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، بل تصل مرحلة من المراحل يضرب فيها الولد لتهاونه أو تركه لها. ومن حافظ عليها وتَشّرب معانيها سيحافظ على بقية العبادات وسينميها.

وفي أحايين كثيرة يشعر الآباء بقلق كبير حيال الأطفال لعدم مواظبتهم على الصلوات أو تركها جملة. ونشير إلى أنّ المسألة تكمن في الفشل الكلي أو النسبي في الَمَعلّم الأول إضافة إلى عدم تلقين الطفل مقاصد الصلاة ومعانيها وحكمها بطريقة سلسة مقبولة. بل نقول: إنّ الآباء أنفسهم أحوج الناس إلى معرفتها.

3- الَمَعلّم الثالث: الأخلاق "ولا تمش في الأرض مرحا"

" واقصد في مشيك واغضض من صوتك"

وهي أساس الأمة بكاملها، وعليها مدار الحياة، بل عليها مدار الدين كله، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وفي رواية "صالح الأخلاق". إنها العملة النادرة اليوم في مشارق الأرض ومغاربها، ونجد الأمم اليوم وخاصة أصحاب العقول السليمة والفطر السوية، يصيحون بأعلى صوتهم معلنين الخطر الحاذق بالمجتمعات جراء تركها للأخلاق والتساهل فيها داخل البيوت أو المدارس أو الشوارع، وسبب هذا في مجتمعنا الإسلامي هو غياب المقصد الأسمى من الزواج منذ اليوم الأول، الهدف من إنشاء الذرية، والتساهل في كثير من المسائل التربوية داخل البيوت والمدارس والمجتمع عموما بحجة المدنية، التحضر، التقدم….، هذا زيادة على غياب الَمَعلّميّن الأول والثاني في التربية، مثلا أين هي أدوار الصلاة في حياة الطفل في بيته ومحيطه عموما، وأين هي قيمة المراقبة الإلهية في السر والعلن …

4-الَمَعلّم الرابع: الدعوة إلى الله "وأمر بالمعروف وانه عن المنكر"

"واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور"

أخي الكريم أختي الكريمة،- اعلما يحفظكما الله- أن هذا الَمَعلّم لا يبلغه إلا من استجاب لله وللرسول بإخلاص وصبر ويقين، وتنشئة الابن عليه من أهم الفروض على الآباء، ولا يدرك هذا الأمر إلا بعد تحقق المعالم الثلاثة الأولى. ولنعلم جميعا أنّ تربية الطفل على الدعوة ضمان له من الانحراف، وتثبيت له على الخير والفضيلة والهدف العام من الوجود.

تحياتي

للجميع