أبن الرزايم مشرف منتدى الأسره والمجتمع
عدد الرسائل : 168 العمر : 44 تاريخ التسجيل : 23/05/2008
| موضوع: ما مفهوم الأسرة؟. 2/6/2008, 9:25 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
هي البنيان الاجتماعي الأساسي للمجتمع، وعلى امتداد تاريخ البشر وباختلاف عقائدهم الدينية وألسنتهم وخلفياتهم الثقافية، كانت الأسرة هي القاسم المشترك بين كل البشر؛ يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء:1). وإذا كان الزواج يعني طبقا لتعريف الشيخ أبي زهرة أنه (عقد يفيد جعل العشرة بين الرجل والمرأة بما يحقق ما يقتضيه الطبع الإنساني ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليهما من واجبات) فإن الأسرة في الإسلام تبعاً لهذا المفهوم هي الوحدة الاجتماعية الأساسية في المجتمع المسلم، والتي تتأسس بها ومن خلالها علاقات تقوم أساساً على قيم برّ الوالدين وصلة الرحم.
الآية 36 من سورة النساء تؤسس في هذا الصدد لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة داخل الأسرة المسلمة من حب وتراحم وتكافل وإحسان.. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
أما الآية 30 من سورة النور فترسم بوضوح قواعد العفة والستر للأسرة المسلمة (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). ويحيط القرآن الكريم الأسرة بسياج من الحماية ويصفها منذ البداية بأنها كالميثاق الغليظ؛ يقول الله تعالى: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء:21-22).
وحتى عندما تستحيل العشرة داخل الأسرة المسلمة فإن القرآن الكريم لا يترك مسألة الطلاق وما يترتب عليه من انفصال بين الزوجين بدون أن يضع لها ما يكفل حقوق الطرفين؛ يقول الله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 232). ويقول في موضع آخر: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:241).
وعلى العكس من هذا المفهوم للزواج والأسرة في الإسلام فإن جماعات حقوق الإنسان تروج داخل أروقة كل المؤتمرات الدولية التي تنعقد لبحث المسائل المتعلقة بالمرأة والسكان مفاهيم أخرى بديلة، وهو ما حدث في (مكسيكو سيتي) بالمكسيك عام 1975م، والذي رفع لجلساته شعاراً لا يخلو من دلالة وهو (رفع التمييز ضد المرأة) وتبع هذا المؤتمر مؤتمر آخر في كوبنهاجن بالدنمارك عام 1980م، ثم المؤتمر الثالث للمرأة بنيروبي في كينيا عام 1985م، ومؤتمر (السكان والتنمية) بالقاهرة في مصر عام 1994م، الذي دعا بشكل صريح وبما اصطدم مع المشاعر الدينية للمسلمين في مصر والعالم الإسلامي إلى إباحة الجنس وتقنين الإجهاض ، بل وتبنت الوثائق الصادرة عن هذا المؤتمر مصطلحاً غريباً على أذن كل مسلم، بل وكل شرقي بغض النظر عن دينه، وهو مصطلح (المتحدين أو المتعايشين).
وشهدت أروقة مؤتمر القاهرة وجلساته مناقشات حول سبل تعميم ثقافة الخصوصية الجنسية، وإباحة الممارسات الشخصية في هذا الصدد للرجل والمرأة على حد سواء - بغض النظر عن عدم اتفاق هذه الممارسات مع الشرائع الدينية، وأعراف المجتمعات وقوانينها - وإتاحة المعلومات الجنسية للمراهقين، والدعوة إلى عدم انتهاك خصوصيتهم من قبل أسرهم وعائلاتهم، وإلغاء الممارسات والنصوص القانونية التي تحد من ممارسة الأفراد لحرياتهم الجنسية، باعتبار أن مسألتي الجنس والإنجاب هما من صميم الحريات الشخصية للمواطنين!. وهذه المسائل شهدت بعد عام واحد من مؤتمر القاهرة وفي العاصمة الصينية بكين عام 1995م، تكثيفاً شديداً في الطرح والتناول، وبمشاركة 36 ألفا ضمن وفود رسمية وغير رسمية من مختلف أنحاء العالم. بل إن وثائق هذا المؤتمر تسهب بالحديث حول ما تدعيه عن الأنماط من الأسر التي تختلف ليس فقط باختلاف الميول الجنسية والسلوكية للأفراد، بل وتعتبر أن الأسرة يمكن أن تتكون من زوجين (رجل ورجل) أو (امرأة وامرأة) بل إن وثائق الأمم المتحدة ذاتها تقدم مفهوما للأسرة يعارض كل الذي عليه الأديان جميعاً، وذلك عندما استخدمت مصطلح (اقتران) بدلاً من الزواج، لتفتح بذلك الطريق أمام تكريس ما سبق أن أقرت به كنائس مختلفة في بعض بلدان الغرب، من إضفاء الشرعية على علاقات الشواذ والمعاشرة الجنسية بين رجلين أو امرأتين، وحيث ألحت الوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة والمؤتمرات الدولية التي عقدت لمناقشة الأمور المتعلقة بالأسرة وحقوق الإنسان، على مسألة إزالة كل أشكال التمييز بين هذه العلاقات التي تقوم على ما يخالف الطبيعة الإنسانية السوية وبين الأسرة التقليدية القائمة على علاقات الزواج الطبيعي كما عرفته نواميس الكون.
وعلى بعد 40 كيلو متراً من العاصمة الصينية، وعلى هامش مؤتمر بكين، شهدت مدينة (هوايرو) مؤتمراً آخر للهيئات التطوعية غير الحكومية، وتعرض المجتمعون بشكل رئيسي للقضايا المتعلقة بمؤسسة الأسرة كإحدى أشكال التنظيم الاجتماعي، من خلال مناقشة قضايا الجنس والإجهاض والميراث والزنا والشذوذ الجنسي وما يسمى بحقوق المثليين في ممارسة حرياتهم الجنسية، وخرج هؤلاء بما سمي (إعلان الحقوق الصحية والجنسية) ليؤكدوا وجهة نظرهم بإقرار الشذوذ، وحق المرأة والرجل في اختيار أسلوب الإنجاب الملائم، واعتبار أن رعاية الآباء لأبنائهم والاهتمام بهم مظهر من مظاهر التخلف، وعائق في طريق تقدم المرأة وحصولها على حقوق متساوية مع الرجل، واعتبرت وثائق المؤتمر عمل المرأة داخل المنزل بما في ذلك رعاية شؤون الأسرة، استغلالاً لها ونوعا من البطالة؛ مما يعيق عملية التنمية في المجتمعات النامية.
الهجوم على الأسرة المسلمة
في ضوء ما تقدم يمكن لنا أن نستنتج الأسباب الخفية وراء حملة الهجوم الضاري الذي لا يتوقف ضد الأسرة المسلمة، فالغرب يعتبر أن هذه الأسرة وما تبديه من تماسك غير مفهوم بالنسبة له، في ضوء الضعف السياسي والاقتصادي الذي يعتري الدول الإسلامية ، تشكل حجر عثرة في وجه ما يهدف إليه الغرب من استيعاب للعالم الإسلامي وفرض قيم العولمة الجديدة عليه، وهو ما دفع الغرب ليس فقط لشن قصف إعلامي لا يهدأ ضد قيم الأسرة المسلمة، ولكن أيضاً لاستخدام لافتات حقوق الإنسان والمرأة، وبل والبحث العلمي في بعض الأوقات لتحطيم البنى الثقافية التي تتأسس عليها الأسرة المسلمة، أو على الأقل التهوين من شأنها، والتركيز في هذه الحملات على قضايا مثل الطلاق وتعدد الزوجات ، بل تدّعي بعض الباحثات الغربيات اللائي تخصصن في البحث حول الأسرة والمرأة المسلمة أن آلية تعدد الزوجات تتعارض مع الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه (النساء شقائق الرجال)!. لقد فاقت الحرب المستعرة على الأسرة المسلمة كل حد معقول، وبدأت أقلام وأفواه تظهر داخل مجتمعاتنا الإسلامية والعربية نفسها، لتنادي بإعادة تغيير أنماط الأسرة التقليدية في هذه المجتمعات، والتي تقوم على أساس تقسيم العمل بين الزوج –الأب والزوجة - الأم داخل الأسرة، وغير بعيد في هذا الصدد ما أحدثته عديد من الحكومات الإسلامية فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، وخاصة تونس ومصر والجزائر، بل إن الحكومة اللبنانية سنت قانونها المثير للجدل تحت اسم الزواج المدني، وفيه يصبح من حق المواطنين اللبنانيين الزواج من خلال المحاكم المدنية وبغض النظر عن ديانة كلٍّ من الزوجين. إن المجتمعات الإسلامية اليوم في أمس الحاجة إلى جهود كل نسائه ورجاله لإصلاح حال الأسرة المسلمة، ودعمها أكثر في مواجهة الخطر الذي تتعرض له وبات يتهددها أكثر من أي وقت مضى، ولا مراء في أن العودة للشريعة الإسلامية وضبط ما يتعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين على ضوئها، هو الحل الذي لا بديل عنه لتفادي هذا الخطر، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) (النساء: 6، فالأسرة المسلمة كانت دوماً في مأمن من المخاطر التي تحيط بها طالما التزمت بالإسلام وشريعته..
| |
|