الخطبة الثانية:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
ويقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا﴾[الأعراف:175] هذا كله من التذكير بالعبر الماضية، جميع ما حصل من الماضي، وقص الله عز وجل علينا خبره في القرآن للاعتبار، وليس لمجرد القراءة والغفلة لا.
للاعتبار والتذكر ومن ذلك ما ذكره الله من هذه الآية: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾[الأعراف:175-176]، قصص عظيمة، آتاه الله القرآن آتاه الله الآيات، الآيات آيات ما هو القرآن، نعم، وما بالى بتلك النعمة، وصار من أهل الأرض يخلد إلى الأرض، وبعد الهوى: ﴿أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الأعراف:176] فصارت القصص في القرآن قصص كتاب الله للعبرة والتفكر، وليست لمجرد التلاوة والنظر: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾[الأعراف:176-177].
اعتبر عبد الله! ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلاً خرج بصدقته في الليل فوضعها في يد زانية ثم أصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية –أي: الليلة الماضية- فقال: اللهم لك الحمد على زانية –يعني: وضع مالي في يد زانية وما كان يريد ذلك- ثم خرج من ليلة أخرى فتصدق على غني، فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني، ثم خرج الليلة الأخرى فتصدق على سارق، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية، وعلى غني، وعلى سارق، فأتاه خبر أنه قد قبلت صدقته: أن الله قد قبل صدقتك، أما الزانية فلعلها تستعف عن زناها، وأما السارق فلعله ينتهِ عن سرقته، وأما الغني فلعله أن يعتبر فيتصدق»، غني والناس يتصدقون وهو ما يتصدق! يعتبر ويتصدق، فهذا يعتبر، لعل الإنسان ببعض الموعظة والذكرى يعتبر، وهكذا أيضاً الجاهل لعله يعتبر بمن يطلب العلم فيتعلم، وهكذا أيضاً الباغي لعله يعتبر بمن بغى وهلك فينتهي ويتأدب ويتواضع، وهكذا الظالم لعله ينتهي، يعتبر بما حصل من بطش الله سبحانه للظالمين فينتهي عن ظلمه ويعدل.. وغير ذلك، مما فيه العبر «لعله يعتبر فيتصدق».
وهكذا بعض المرض فيه عبرة، الأمراض والبلاء الذي يصاب به الإنسان قد يكون فيه عبرة فيعتبر بصحته والناس مرضى، ويشكر الله سبحانه وتعالى يعتبر، هذه نعمة عليه من الله تغافل عنها، فكم من إنسان لا يذوق الطعام ولا يتلذذ به، وكم من إنسان لا يذوق النوم ولا يتلذذ به، وكم من إنسان لا يذوق الراحة والطمأنينة وهدوء البال ويتلذذ به، وكم من إنسان لا يذوق نعماً كثيرة وأنت في نعمة اعتبر، وزيارة المرضى وعيادة المرضى.. وما إلى ذلك، فيها عبرة لمن اعتبر وذكرى لمن تذكر.
وهذه الآيات حتى في جسم الإنسان عبرة: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾